
لا يدافع عن الفاسد إلا فاسد (مانديلا) . الثورة و الثروة لا يلتقيان ( جياب ) . من نافلة القول أن للولايات المتحدة الأميركية و لوكلائها دور في الأزمة اللبنانية، في التمهيد لها و في تفجيرها و في إيقادها . الأدلة على ذلك كثيرة و معروفة فليس من حاجة إلى التوسع في هذه المسألة . و لكن اللافت للنظر هو أن بعض المراقبين لمجريات الأمور يحاولون التشكيك في أصالة الانتفاضة الشعبية انطلاقا من تضخيم الدور الأميركي فيها، إلى حد إدانتها و معاداتها بحجة أنها و جه من أوجه السيرورة الهجومية الأميركية من أجل نشر ” الفوضى الخلاقة ” في البلاد السورية و العراق .
من البديهي أننا لا نستطيع أن نبرئ الولايات المتحدة الأميركية من السعي إلى مرام استعمارية و لكن لا بد من الاعتراف بأن خطاب هؤلاء المراقبين يتضمن ما يشبه الملامة أو الاتهام بالغش، كون الانتفاضة جاءت بحسب هذا الخطاب، نتيجة لاستغلال الولايات المتحدة الأميركية “لسوء إدارة البلاد، و إفلاس الدولة، و انحطاط أخلاق الحاكم ” و ليس نتيجة لظهور عوارض الدولة الفاشلة .
مجمل القول أن تخريب الانتفاضة هو في نظر المراقبين المشار إليهم، الوسيلة الناجعة للحؤول دون استغلال الحالة التي آلت إليها البلاد من جانب الولايات المتحدة الأميركية، على أن تعالج مسألة ” الفساد و سوء الإدارة و الأخلاق ” في و قت لاحق، بعد تشكيل حكومة جديدة !
ولكن التسليم افتراضا أن الولايات المتحدة الأميركية التي كان لها في الواقع وكلاء شاركوا في الحكومة التوافقية و بالتالي بمسؤوليتها عن إفلاس الدولة و عن حالة الانهيار البنيوي الظاهرة، لا يجيز منطقيا الوثوق بها، فأغلب الظن أنها لن تسمح بتشكيل حكومة توافقية، بمشاركة وكلائها أو غير توافقية مؤلفة من خصومها حصريا، قادرة على لململة مؤسسات الدولة و على إحياء السلطة الشرعية وعلى وضع سياسة إصلاحية قيد التنفيذ. فمن يقيل الحكومة لا يقبل بتشكيها غير المشروط .
بكلام أكثر وضوحا و صراحة، اعترض الانتفاضة َ تيارٌ سياسي فضّل قمعها و اسكاتها، خشية من أن تتخذها الولايات المتحدة الأميركية رأس جسر ( يحكى أن في لبنان ثلاث قواعد عسكرية أميركية بالإضافة إلى عدد من أبراج المراقبة، بإشراف قوات غربية على الحدود الشمالية و الشرقية)، بدل سحب الغطاء عن المسؤولين الذين نهبوا أموال الدولة و المساعدة على توفير الظروف الملائمة لإجراء تحقيق في الطرق التي أوصلتهم إلى المناصب و الوظائف التي يتبوؤون و في الكشف عن المهمات التي توكلوا بها في ممارساتهم . بتعبير آخر، عكست تصرفات هذا التيار ارتباكا شديدا، فبالرغم من الفذلكات البيانية عن الإصلاح و محاربة الفساد لا يزال الجشع الذي قيل الكثير عنه، سرا مصانا، فلم يُعرف حتى الآن الفاعلون و لم يُكشف عن الآلية القضائية التي تستطيع استدعاءهم.
مهما يكن لا مفر في سياق هذه المقاربة من التساؤل عما إذا كانت الولايات المتحدة الأميركية بحاجة إلى تفشي الفساد و السرقة و الغش إلى مستوى من الفحش ليس له مثيل، حتى تقتحم الساحة اللبنانية . لا سيما أن معطيات مثبتة و عديدة توكّد وجودها في البلاد بقوة وضلوعها في هذا الفحش وتشجيعها عليه بواسطة وكلائها . أما غاياتها من وراء ذلك، فالكل يعرفها في ظاهر الأمر، سواء المعترضون عليها و المساهمون فيها وهي ثلاث : مصادرة النفط المحتمل أنه مختزن ضمن حدود المياه الإقليمية، مواصلة الحرب على سورية، و إحياء إتفاقية 17 أيار 1983 مع الاسرائيليين. و لا شك في أنها تعمل،منذ سنوات على إضعاف القوى الوطنية التي تتصدى لمنعها من بلوغ هذه الغايات، و لا شك أيضا في أنها تتخذ من تغاضي هذه القوى أو بعضها، عن عملية النهب الواسعة المستمرة في البلاد، حجة ضد هذه القوى .كأن الأخيرة التي غضت الطرف عن سلوك بعض أهل الحكم توقيا لضررهم، ” تواطأت ” دون و عي و بشكل ما، مع أعدائها في الداخل و في الخارج !
كاتب لبناني
نقلا عن رأي اليوم