
جاءت القمة المصغرة الأمريكية الإفريقية تتويجاً لمسار عالمي جديد أكثر تعقيدات من النظام الأحادي الذي ساد العالم بعد إنهيار الأتحاد السوفيتي.
لقد عقد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لقاءً مع قادة الغابون وغينيا بيساو وليبيريا والسنغال وموريتانيا الدولة العربية الوحيدة في هذه القمة.
ورغم جدوى القمة وماسيترتب عليها من فوائد إقتصادية مشتركة إلا أن سيكولوجية ترمب لم تخرج عن المألوف وكأنه يطبق قاعدة خالف تعرف وشخص مثل الرئيس الأمريكي دونالد ترمب غني عن التعريف وهو بتصرفاته هذه المخالفة للأعراف الدبلوماسية يجسد في سلوكياته قذافيات في المجال السياسي ومارادونيات في الحقل الرياضي وبالتالي فالزائر للبيت الأبيض لايعي بماسيعامله ساكن البيض الأبيض فقد رأينا كيف تعامل مع الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي و رئيس جنوب إفريقيا والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني.
ترمب في عهدته الثانية رجل حرب إقتصادية وعسكرية بإمتياز في نفس الوقت هو رجل سلام ، يقود مبادرات السلام هنا وهناك بين الهند وباكستان وبين روسيا وأوكرانيا وبين رواندا و الكونغو الديمقراطية و ينوي إنهاء الخلاف بين مصر وإتيوبيا حول سد النهضة وفي الجانب الأسود يقف في واد مع إسرائيل في حربها الضروس على الفلسطينيين وتوشك أن تبلغ حولين كاملين ناهيك عن حربه المشتركة مع إسرائيل ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
مارادونيات دونالد ترمب تجسدت في حضوره الشخصي غداة نهائي كأس العالم للأندية بين فريقي تشيلسي الإنجليزي ونادي باريسانجرمان الفرنسي حيث خطف الأنظار مماقلل من شغف أفراح لاعبي تشلسي وجماهيره بالكأس .
إذن دونالد ترمب يبقى جدلي عنيد وقوي فهو شعبوي يحمل بصمات الثورة والتمرد على الأنماط التقليدية التي سلكها الرؤساء الأمريكان سابقا فلئن كانت الولايات المتحدة الأمريكية تنفق أكثر مقابل فوائد نسبية وتتموضع أكثر في أوروبا و آسيا فإن دونالد ترمب البزنيسي قومجي أكثر حيث بنى حملته تحت شعار "أمريكا أولاً " وهنا جاء بفلسفة جديدة شكلت كابوساً للإتحاد الأوروبي تمثلت في الرغبة في ضم جزيرةجريلاند و زيادة الضرائب على المنتجات الأوربية ناهيك عن دعم الأحزاب اليمينية بغض النظر عن إمكانية الخروج من الناتو حيث فرض على الأتحاد الأوروبي زيادة المساهمة في قوة حلف شمال الأطلسي .
دونالدترمب يحاول دائما تطبيق وعوده الإنتخابية و أطماعه التوسعاتية حتى هم بضم دولة كندا وتغيير إسم قناة بنما الى قناة أمريكا.
لا يمكن التنبؤ بما تخطط له أمريكا فهي مركز التكنولوجيا والأقتصاد العالمي وهي سيدة العالم في علوم الفضاء والإبتكار وبالتالي فإن توجهها الى إفريقيا يطرح أكثر من سؤال، فقد خلفت مخالبها جراحا خائرة في العراق و سوريا وهي صاحبة الفوضى الخلاقة إبان ثورات الربيع العربي ولما تعذر حصول دونالد ترمب على المعادن النفيسة والنادرة من أوكرانيا بسبب الحرب مع روسيا إختارت أمريكا البديل وهو التعاون في المجال المنجمي مع الدول الخمس موريتانيا والسنغال والكابون وليبيريا وغينيا بيساو وإختيار هذه الدول ليس إعتباطيا فهي تقع على الضفة الشرقية للمحيط الأطلسي وتطوق التواجد الروسي في منطقة دول الساحلةالحبيية مالي والنيجر و بوركينا فاسو كما أن الولايات المتحدة تحاول أن تحد من النفوذ الصيني والهندي والتركي والبرازيلي وحتى سنغفورة بدأت تتسلل الى المنطقة هي الأخرى يضاف الى هذا تراجع مكانة فرنسا في إفريقيا بعد عقود من الهيمنة .
إن قمة أمريكا والدول الإفريقية الخمس موريتانيا والسنغال وليبيريا والكابون و غينيا وإن كانت تحمل آفاقا واعدة لشعوب المنطقة إلا أن الشكوك تبقى قائمة فهذه الدول كثيرة الموارد المستخرجة لكنها بالمقابل من أفقر بلدان العالم ودخول أمريكا أسواقها المنجنية لايعني بالضرورة إنتقالها من حالة الفقر الى الغنى والنهوض بشعوبها ذلك مابدا ظاهرا للعيان في إستغلال الماس والذهب والحديد ومعادن أخرى وطبقا للمؤشرات فإن موريتانيا وحدها بها أكثر من 900مؤشر معدني والولايات المتحدة أدرى بما هو موجود في المنطقة لأن مراكز الأبحاث المتخصصة ووسائل التكنولوجيا كلها عوامل إكتشاف وعيونها التي لم تترك صغيرة ولاكبيرة إلا وأحصتها في نشراتها السنوية حول الحكامة ومعوقاتها في البلدان النامية.
الملفت في زيارة زعماء العالم للبيض الأبيض هو ترشيحهم للرئيس دونالد ترمب لنيل جائزة نوبل وهذه مفارقة غريبة فكيف تنمح جائزة الإبداع والسلام لرئيس ساند حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل _ ومازالت _ على سكان غزة ومدن في الضفة الغربية ؟
إن التفكير في منح شهادة نوبل على الأشلاء والأنقاض والتهجير والتدمير فإن العالم لا يتحكم فيه إلا الغطرسة والعهر السياسي الهدام .
محمد ولد سيدي المدير الناشر